Translate

الاثنين، 11 مارس 2013

رحَّال. قصة قصيرة بقلم الاديبه عبير عواد مصر

رحَّال.
قصة قصيرة  بقلم الاديبه عبير عواد
مصر



رحَّال... طَائِرة خَشَبيّة.. ماعزٌ شَقْــراء.. حُلْمٌ اِنْكَسَـــــرْ!!!
هُو رَحَّال.. طِفْلٌ بَدَوِّي.. له مِنْ العُمرْ ثَلاثة عَشِر عامًا.. 
يَحْيَا وَسَطْ الصَّحَرَاء.. 
وَجْهُه لَفَحَتُه الشّمْس.. بُعُيونَه العَسَلِيَّة وغَمَّازَتِّي وَجْهُه الساحرتين دَومًا مُبْتَسِم.
مَلامِحُه تَشُعْ بـِالْفَـرْحَة.. تـَنـُمْ عَنْ ذكَاء..
اسْمُه هُو لَقَـب ْعَائِلَتُه.. 
عَائِلة بَدَوِية تَحْيَا وَسَطْ القَفَار...
لا يُهِم لأي وَطَنْ يَنْتَمِي أو يَحْمِل جِنْسيَتُه..
فالصَّحَراء في حَدْ ذَاتِها وَطَنْ...
يَرْعَى الغَنْم مَعَ وَالدِه.. وَيَتَعاونْ مَعُه في زِراعَة قِطْعَة أرْض صغيرِة يَمْلِكُونـَها.
أوْ يُسَاعِده في خِدْمَة الأفَوَاجْ السِّياحِية التي تَأتِي لرَحَلات السَّفارِي
حَفِظ من القُرآنْ الكَرِيم الْكَثِير مُنْذ صِغرَه.
الشَّيْخ بالجَامِع قال إنه نَابـغِة..
و طَلَب مِن الأبْ أن يُرسِلَه للمَدرسَة الابـتِدائية..
بالمَدِينة.. في الحَضَر القَرِيب... ذَهَبَ رَحَّالْ إلى المَدْرسَة.
أحَبَه مُدِرسُوه, وَزُمَلاؤه.. 
وخَاصَةً الأسْتَاذ "رُحَيِّمْ" أحَد سُكَان الوَادِي.. ومِنْ أبنَاء قَريَتِه
تَعَّلم سَريعًا... وفَاقْ أقَرانه.
ذَكَاؤه فِطري طَبـِيعّي.. لا يَحَتاجْ إلى عَوامِل مُساعِدة..
بالفِطَرة يَفْهَم.. وبالفُضُول يَسَأل ليَسِتكْشفْ ويَفْهَم أكْثَر
قَريتُه تَعْرف بَعضٌ مِن مَظِاهر الحَضَارة.
فهُو يَسْكن في مَنِزل مَبني من الطُّوب اللِّبن
له حُجْرَة خَاصِة بَعِيدة عَنْ حُجْرة إِخْوَته البَنَاتْ.
له صَدِيقة الكُّل يَتَغنى بـِِجَمِالها
اسْمُها ..شَقْرَاء "مَاعِزٌ جَبَلِية" اتَّخَذَها صَدِيقَة له مُنذُ وِلادَتها..
أسْمَاها هَذا الاسِم.. لأنّ لَها غُرةٌ شَقْرَاء وَسِطِ رَأسِها 
كَانَتْ تَلْعب مَعُه كَمَا لوْ كَانت أخُته الصَّغِيرة
تَجْرِي وتَقْفز كلَّما أتَى إليهَا في المَرْعَى
تَظّل سَائرِة خَلفَه لا تَتَركُه تَدُورْ حَولَه... بـِطرفْ جِلبِابه تَحْتَمِي..
وهو دائما يحملها ما بين يديها يضعها في حجره وهو جالس
يشاركها طعامه.. ويداعب غرتها الشقراء.
وفي يوم أتى فوج من السياح الأجانب لرحلة سفاري بالمنطقة..
ساعدهم والد رحال في التخييم وصعود الجبل..
وبقي معهم رحال.. يتحدث بإنجليزية متعثرة.. 
لفت إنتباه أحدهم ذكاؤه.. وغمازتي وجهه الساحرتين..
تصادقا.. كانا يتحدثا معا بخليط من إنجليزية رحال وعربية الرجل 
وكأنهما اخترعا لغة جديدة.. مفرداتها لا تعترف باختلاف الجنسيات
"
هيو" هو اسم الرجل.. طيار يقود طائرات خاصة تسافر في رحلات قصيرة داخل المدن..
أخذ يحكي لرحال الكثير عن الطائرات.. رحال لم يكن رأى طائرة
ربما سمع صوتها.. لكن لم يحدث أن رآها رأي العين.. 
وعده "هيو" بأن يحضر له طائرة صغيرة في زيارته القادمة..
وإلى أن جاء موعد الزيارة القادمة...
أخذ رحال يسأل معلمه "رحيم" أن يحكي له كل شيء عن الطائرات وكيف تطير؟؟؟
تعلم الكثير عن الطائرات وعن حكايتها عبر الزمن.. 
بداية من وضع عباس بن فرناس لجناحي الريش ونسيانه للذيل..
ليسقط ولكن بعد أن نال شرف المحاولة..
ومرورًا بالأخوان رايت.. وحتى ليندبرج عابر الأطلسي..
قرر رحال أنه يوما سيكون طيارًا.. يعبر الأطلسي والهادي والهندي.. 
يلف بلاد العالم يرتحل.. لا في البادية ولكن في السماء..
لا ينزل على الأرض إلا ليرتفع عنها ثانية يشق عنان السماء بطائرته.
وفي انتظار "هيو" تعلم بعض من قوانين الفيزياء.. وبعض من مصطلحات الطيران
كيفية الحركة من السكون..كيفية الانطلاق.. الوصول للثبات.. الضغط الجوي. 
ونظام الرفع الهيدورليكي.. وكيفية الوصول للاتزان.. الطيار الآلي.. الهبوط الاضطراري.
و...
وأتى "هيو" في رحلة أخرى... مع أصدقاء جدد
أتى ومعه هدية رحال.. طائرة شراعية خشبية يتم تركيبها..
قضيا معًا عصر اليوم التالي يجمعان أجزاء الطائرة..
شرح له "هيو" كل جزء في الطائرة.. وفاجأه رحال بكل ما تعلم..
سر "هيو" كثيرًا ووعده أن يستأذن والده خلال رحلته القادمة..
أن يصطحب رحال لمطار خاص يستطيع استئجار طائرة منه
وأن يأخذه معه في رحلة سريعة يركب معه الطائرة.. 
ويرى كل ما شرحه نظريا.. رأي العين..
وبقى رحال يحلم هذا الحلم دومًا تشاركه فيه شقراء..
وهي تنام على سريره تنظر إليه وهو يلهو بطائرته الخشبية
يطير بها يتمايل يمينا ويسارا.. فووووووووت.. فوووووووووت
كانت شقراء تشعر بالغيرة من الطائرة التي استحوذت على تفكير رحال
تعترض.. ببأبأة غاضبة.. يشعر بها رحال.. يأخذها في حجره ويلاعبها 
ويدع الطائرة ويكتفي بالنظر إليها ما بين حين وآخر..
مضت الحياة تسير.. وحلم رحال يكبر بداخله.. بقيت شهور قليلة ويأتي الصيف..
ويعود "هيو" يستأجر الطائرة ويرافق رحال في رحلة سريعة..
نجح رحال كعادته وتفوق بين أقرانه.. في كل عام
قرر أن يخرج للمراعي مع شقراء.. فهي كانت تشعر بالملل أيام انشغاله عنها بالامتحانات
كان رحال في غاية السعادة.. 
أسابيع قليلة ويحضر "هيو" لقد أرسل له رسالة ينبئه فيها بموعد حضوره
أحلام رحال أخذته بعيدًا عن حدود الأمان في الصحراء.. 
من فرحته نسي أنه قارب منطقة.. لا يجوز منها اقتراب.. علامة الموت عنوان لها..
أهل البادية يعرفونها.. يعلمون إشاراتها لأولادهم.. حتى لا يتعرضوا للخطر.. 
رحال يعرفها جيدًا و لايتجاوزها.. ولكن .. فجأة شقراء غافلته وأخذت تجري بعيدًا
دخلت منطقة الخطر.. جرى عليها سريعًا ليحاول الإمساك بها.. 
قفزت لاهية مبتعدة عن يده... ومبتعدة عن..........لـــــغم!!
اختل توازن رحال سقط.. انتفضت الماعز فزعة من صوت الانفجار.. 
ضباب كثيف لاح من وراءه ظل رحال.. مرتميًا على الأرض.. متضرجًا بدمائه.. 
شقراء تزعق عليه بصوتها أن يقوم فاللعبة انتهت....لكن!!!!
مرت أسابيع على الحادث.. منزل رحال تصدر منه الأصوات المعتادة في كل يوم
لعب البنات.. قرقرة الدواجن.. هديل الحمام.. أصوات الحيوانات 
و... وبأبأة ماعز بغرة شقراء صغيرة..
أتى "هيو" الشاب الغريب صديق رحال..
علم بالحادث فور وصوله للبادية.. من سكان المنطقة...
لم ينتظر.. ترك أمتعته بالفندق وغادر مسرعًا... قرر أن يزور صديقه.. ويواسيه..
استقبلته العائلة بود وترحاب.. فهو صديق ابنهم..
دخل "هيو" حجرة رحال.. كان في سريره متدثرًا بالأغطية.. 
وجهه تغطيه بعض الخدوش لم تغير رغم كثرتها ملامحه ولا ابتسامته.. بغمازتيه الساحرتين..
ابتسم رحال ببطء لـ "هيو" جلس الأخير على طرف سريره تحدثا قليلاً.. عن الحادث
لحظات صمت جال "هيو" بنظراته خلاله في أرجاء المكان.. 
رأى الطائرة الخشبية ملقاة بإهمال على صندوق صغير في ركن بالحجرة.. 
لاحت على وجهه ابتسامة.. استدار ليتفق مع رحال على موعد رحلتهما القصيرة بالطائرة
قبل أن تلاقي عيناه وجه رحال.. وقع بصره على ما أخرس لسانه من هول الصدمة
بجوار سرير رحال.. وُضِعت على استحياء.. ساقًا خشبية يرتديها من يفقدون أطرافهم..
ألجمه الصمت... و دمعت عيناه.. ويبدو أن رحال أحس بما كابده صديقه.. فناداه باسمه.. و..
وقال له وهو يبتسم بغمازتيه الساحرتين.. يبدو أن رحلتنا القصيرة قد تأجلت..
ويبدو أن حلمي بالطيران قد انقضى... الحمد لله على كل حال..
نهاية الكلام
لحظة الغروب في البادية.. صوت السكون يشق المكان..
وفي منزل رحال.. الحياة مستمرة.. بنفس الوتيرة
أما في حجرته.. فالأمر مختلف
يرقد رحال على السرير... ترافقه ماعز صغيرة شقراء.. لا تكف عن الاختباء في طرف جلبابه
و.. طائرة صغيرة خشبية يعلوها التراب.. ملقاة على الأرض بجوار...ساق خشبية ترقد على استحياء..
اهداء..
إلى رحال وإلى كل أطفال الصحراء في كل مكان.. إلى أرواحهم... أو أطرافهم التي فقدوها.. أو أجسادهم التي تشوهـت في غفلة من الزمن لأنهم ببساطة تجاوزوا منطقة عدم الاقتراب.. وغفلوا عن علامة الخطر... المصاحبة لوجود لـغـــم أرضـــي دفن في الصحراء.. ولا عزاء لأطفال البادية..
عـــــــبير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق