Translate

الأحد، 17 يونيو 2018

بقلم : ميَّادة مهنَّا سليمان (سورية) قراءة باذخة لنصّ "مفاتيح



قراءة باذخة لنصّ "مفاتيح " || بقلم : ميَّادة مهنَّا سليمان

القصة :ــ مفاتيح
جنَحَ قاربُ أورفيوس، ساقَهُ الليلُ إلى جزيرة...
شاهدةً على قبر الفجرِ غُرِستْ قيثارتُه.

مفاتيح:
أنا أمام ثلاث جملٍ، فيها ثلاثة أفعالٍ ماضيةٍ، في الجملتَين الأولى، والثّانية كان الفعل في بدايتهما.
أمّا في الجملة الثّالثة، فقد أُخِّرَ الفعل لغايةٍ في نفس الكاتب، وكلّ فعلٍ يحكي قصّة، ويوجز عِبرة، وموعظة.
بثلاث جمل، وسبعة رموز أقف حيرى مِن أينَ، وكيف أدخل إلى تلك البوّابات السّبع؟

سرقتُ مفاتيح إبراهيم بازو، وحاولت التّسلّل إلى تلك المعاني الغافية في أحضان نصّه، وحاولت الحصول قدر المستطاع على لآلئَ ثمينةٍ أعرضها أمامكم، وعسايَ أكونُ قد وفِّقْت.

- نبدأ من العنوان (مفاتيح)
مِفتاح ( اسم ):
الجمع : مَفاتيحُ ، و مَفاِتحُ
المِفتاحُ : آلة الفَتْح والغلق
عنوان رائع ذو إيحاءات، ودلالات رمزيّة متعدّدة
سيتبيّن لنا ذلك بعد الانتهاء من تحليل النّصّ.

- نبدأ الآن مع النّصّ الّذي بين أيدينا:
(جنحَ قاربُ أورفيوس)
جنح، يجنحُ، جُنوحًا، وجَنحًا
نقول جنحتِ السّفينةُ: انتهت إلى الماء القليل، فمالت،
ولزقت بالأرض، فلم تمضِ.
فماالّذي قصده الكاتب بجنوح القارب؟
وما علاقته بأورفيوس، ومن هو أورفيوس؟

- تقول الأسطورة:
إنّ أورفيوس كان سيّد الشّعراء والموسيقيّين في العصر القديم. وعلّم البشريّة الطّبّ، والكتابة، والزّراعة. وهو موسيقيّ في الأساطير الإغريقيّة، والرّومانيّة، كان صوتُه فاتناً، وكانت موسيقا قيثارته ساحرة، فتتبعه الحيوانات، والأشجار، والأحجار، وتتوقّف الأنهار عن الجريان كي تستمع إليه.

أمّه كانت آلهة الغناء (كاليوبِّه)، ووالده ملك( تراقية) الإله (أپوللو) الّذي أهداه قيثارةً ذهبيّةً، فكان يعزف عليها، ويغنّي ألحانًا شجيّةً ساحرةً.

التحق بالسّفينة(أرغوس) الّتي حملت أبطال (تراقية) في رحلة أسطوريّة، وقد أنقذتهم موسيقى(أورفيوس)
من مآزقَ كثيرةٍ.

أثناء سفره لدغت زوجتَه (يوريدس) أفعى، وماتت.
حزن (أورفيوس) كثيرًا عليها، وقرّر أن ينزل إلى العالم السّفليّ متحمّلًا المخاطر الّتي تجاوزها بالعزف والغناء.

ولمّا التقى زوجته وطلب إخراجها إلى الحياة، كان شرط هيدز (ملك العالم السّفليّ) ألّا يراها،
أو يلتفت وراءه، أو يكلّمها. وأثناء سيرها خلفه،
خشي أن تضيع بسبب الضّباب، فلم يسمع خطواتها، التفت ورآها، فأُعيدت إلى العالم السّفليّ، ولم يفلح أورفيوس مُجدّدًا في النّزول، وإحضارها.

بقي أسبوعاً قرب النّهر يعزف ويبكي، حتّى قتلتْه ( الباخيات) لأنّه لم يهتمّ لأمرهنّ، وقد اغتظن من وفائه لزوجته، فطاف رأسُه في النّهر، وكان لسان (أورفيوس) الميّت يغنّي، فيما القيثارة تعزف عزفًا حزينًا، ثمّ تحوّلت إلى نجم في السّماء، وعثرت إحدى ربّات الإلهام على أجزاء جسده، ودفنتها قرب جبل (الأوليمب).

وبالعودة إلى الجملة السّابقة، وبمقارنتها مع سفينة أورفيوس الّتي احتوت خمسين بطلًا وكانت كلّما تعرّضت إلى خطر، عزفَ أورفيوس، وغنّى فهزم الوحوش، وهدّأَ الأمواج، وأنقذها من الصّخور الّتي اعترضتها، بفضل ألحانه الشّجيّة وغنائه العذب.
نجد أنّ قارب الكاتب، لم يكن كذلك، فقد جنح والتصق بالأرض عاجزًا عن الإبحار نحو وجهته المقصودة، أو لعلّ خَرقًا ما (قوىً خفيّة) أعاقت حركته، واستمراريّة سيره. فما هو مصير هذا القارب؟

تأتينا الإجابة في الجملة الثّانية:
(ساقهُ الليلُ إلى جزيرة…)
فهذا القارب الّذي لم يواكب إبحاره كان صيدًا ثمينًا للمجهول المتمثّل بكلمة (ليل)، وربّما هو الخطر، وكلّ ما يضرّ، أو يؤذي، ويخيف، ويسبّب الهلاك.
ونلحظ استخدام الفعل (ساقَهُ) أي حثّهُ من الخلف، فكان القارب مجبرًا على تغيير وجهة سيره، إلى جهةٍ مجهولةٍ
لا يودّ، أو لا نيّة له بالإبحار إليها.

وفي الجملة رمزان:
- الأوَل: (الليل) بما يوحيه من مخاوف، ووحشة، ورهبة، واعتداء، وظلاميّة، ولعلّه الجهل، أو الإرهاب،
أو التّكفير، أو التّخاذل العربيّ، والخيانة.

- الثّاني: (الجزيرة) بما تثيره في النّفس من مخاوف
فهي المجهول الّذي لا يؤمن جانبُه، وهي المفاجآت، والأخطار، وربّما الفشل، وقد تكون منطقة جغرافيّة موجودة في عصرنا الرّاهن (الجزيرة العربيّة مثلاً)!

والمفاتيح هنا كثيرة ومتعدّدة:
* فلعلّ القارب الغارق هنا هو قارب العروبة،
وربّما أورفيوس هو( الشّعب السّوريّ) الّذي ما إن واجهته الصّعاب، وحاق به الخطر حتّى تكالبت عليه قوى الظّلام والرّجعيّة، وبدلًا من أن تمدّ له يد العون، ساهمت في خرق قارب نجاته، وكسر مجاذيفه.

* أو لعلّه (الشّعب الفلسطينيّ) الّذي تآمرت على حقّه في العودة، وتقرير المصير دولٌ يفترض أنّها شقيقة!
نستدلّ على ذلك بكلمة (الجزيرة).

* وممكن أن يكون (أورفيوس) هو رمز العدالة، الخير، الإنسانيّة الّتي جنح قاربها، فبات الكثير من الأطفال
يعانون الجوع، والمرض، والبؤس، في حين أنّ الملياراتِ تُصرَف على الحروب، وعلى مباهج الحياة عند النّخبة المالكة لزمام الحكم في كثير من دول الخليج وغيرها.

* وربّما كان التّراجع الفكريّ، أو التّدهور الثّقافيّ إذا ما تذكّرنا أنّ (أورفيوس) حسب الأسطورة كان أوّل من علّم الكتابة، والزّراعة، والطّبّ.

كلّ تلك الاحتمالات وغيرها واردة في هذا النّصّ الرّحب المعاني، المتعدّد القراءات.
وعندما نصل إلى الجملة الأخيرة من النّصّ
(شاهدةً على قبر الفجر غُرسَتْ قيثارتُه)
ونلحظ في الجملة ثلاثة رموز:

- القبر: النّهاية الحتميّة للمادّة، الفناء، الهلاك
وهو عكس ما آمنت به الأورفيّة الّتي تُعلي شأن الرّوح،
وتؤمن بولادتها مجدّدًا، ولعلّه هنا موت ينتظر ولادةً،
أو تقمُّصًا، أو بعثًا ما.

- الفجر: وهو الأمل، السّلام، الحريّة، الاستقرار، الخلاص، العدالة، العلم، الازدهار الفكريّ، الثّقافي

- القيثارة: رمز الجمال، الخير، المحبّة، الإصرار، الحكمة،
المشاعر النّبيلة (فقد استخدمها أورفيوس في حالة الفرح، والحزن، ومساعدة الآخرين)...

ونحن أمام القفلة نتبيّن حقيقة مرّة نعيشها، وواقعًا مأساويًّا اغتالت فجرَه ظلمةُ الحروب، والأحقاد، والطّائفيّة، والتّآمر الممنهج على أبسط حقوق الإنسان وكرامته، وحريّته.

نعم، إنّ تلك القيثارة/الرّمز لكلّ ما هو جميل، وخيّر
وأورفيوس المحارب الطّيّب، الوفيّ المحبّ، الإنسان الحامل لكلّ صفات الجمال، والمحبّة، والرّحمة، والعلم قد لقي حتفه على يد قوى الشّرّ اللاإنسانيّة، فكانت قيثارتُه الشّاهدة الّتي وضِعَتْ على قبر الخير، والأمن، والسّلام الّذي نحرَتْهُ الأيادي الجشِعة الملوّثة بنفط الخيانة، ودولارات الكرامة المهانة على عتبات البيت الأسود، والمفرّطة بمفاتيح التّعاون، والإنسانيّة، والأُخوّة، والعدالة، والحريّة.
تلك المفاتيح الّتي- على ما يبدو- صدِئَت في أُدراج الأمّة العربيّة النّائمة.

- أمّا توظيف أسطورة أورفيوس فقد شاع في الأدب
حيث استخدمها الشّاعر الرّومانيّ أوفيد في كتابه:
"التّحوّلات".

- كما استخدمها عبّاس محمود العقّاد في قصيدة:
"حديقة حيوانات آدميّة"
- وكذلك أحمد زكي أبو شادي في قصيدة:
"أورفيوس ويوردسي"

- ومن المعاصرين استخدمها السّيّاب الذي عبّر عن مضامين (أورفيّة) في أشعاره المبكرة، وظلّ يتّكىء على صورها وإيحاءاتها حتّى مرحلة متأخّرة من تجربته الشّعريّة.

- كما برزت أسطورة أورفيوس في قسم كبير من شعر أدونيس، إذ لا يمكن تجاهل ملامحها في قصائده:
"أورفيوس" و"أغاني مهيار الدمشقي"
و"مرآة أورفيوس" و"الرأس والنهر".

- وكذلك البيّاتي ولعل قصيدته" هبوط أورفيوس"
خير دليل على اهتمامه بهذه الأسطورة .

- وها هو إبراهيم بازو يستخدمها في قصّته:
"مفاتيح" لتكون إثراءً جديدًا يُضافُ إلى ما سبق.

ختامًا أقول:
النّصُّ مكثّفٌ، ذو دلالاتٍ، وإيحاءاتٍ متعدّدةٍ.
حقّقَ وحدةً متكاملةً بترابطه مع العنوان الرّائع
(مفاتيح) بقفلةٍ صادمةٍ، مؤثّرةٍ، ذكيّةٍ، وعميقةِ المضمون، موجعة المغزى، والعبرة.

- ومن قيثارة (أورفيوس) الّتي كانت رسولة جمالٍ، وخيرٍ، وإنسانيّةٍ، ومحبّةٍ، إلى قلم ( بازو ) الّذي كان لسان حال كلّ مثقّفٍ متنوّرٍ، و شريفٍ مؤمنٍ بالكرامة، والعدالة، وحقّ الشّعوب في تقرير مصيرها، والعيش الآمن بعيدًا عن رصاص الوحشيّة، ودبّابات الموت، وقذائف الحقد، وأيادي الغدر.

-لقد كانت تلك القيثارة نجمةً خالدةً في سماء العظماء،
وكان قلم بازو، وهو يخطّ هذه القصّة، بإسقاطٍ واقعيٍّ رائعٍ، ينافسها ليكون نجمًا في سماء الإبداع.
فبُورِك الإبداع الجميل، وبورك كاتب النّصّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة بقلم : ميَّادة مهنَّا سليمان
 القصّة القصيرة جدّاً بقلم : إبراهيم بازو‏

السبت، 2 يونيو 2018

الشاعرة رجاء علي قصيدة سر المطر



الشاعرة
رجاء علي
سورية

قصيدة
سر المطر

عانقت المطر
امتلكت الاسرار
شاركت الغيم  همسه
وارتشفت اصوات الحنين منه
للقاء
هطل اامطر غطى شغاف الروح بصور
واحلى ذكريات
لم اعد استطيع  الابتعاد او الاقتراب
صرت مسافه بعيدة كالغيم
وصار المطر
رسولي اليك
لاترتكب الخطايا
وتقتل الرسول
اعده الي مسرعا
محملا بالاماني الساحرات
وقف بباب انتظارك
لخطواتي القادمات

........
رجاء علي

دمشق
2018