Translate

الأربعاء، 27 مايو 2015

سوريّون - ريم شطيح




سوريّون - ريم شطيح

إنّ أربع سنوات من الحرب والعنف المُمَنهَج كافية لخَلق جيل قد يحمل العنفَ ثقافةً من جهة؛ ما سيكون بمثابة مشروع سياسي آخر ضحيّته الجيل القادم - جيل ما بعد الحرب - بكل ما قد يحمله من تشوُّه نفسي وفِكري وجسدي نتيجة هذه الحرب، وجيل صلب قوي من جهة أخرى لا يهاب شيئاً ولا حتى الموت؛ هذا الجيل الذي ثمَّنَ قيمة الحياة بعد كل ما اختبره وعاناه سيُساهم أيضاً ببناء الوطن ما بعد الدمار. حيث ستُخلّف هذه الحرب جيلاً بلا ذاكرة إلاّ ذاكرة الموت ومشاهد الدم والخوف؛ جيلٌ يستذكر من أيّ جهةٍ ستأتي القذيفة، وتحت أيّ سماءٍ سيُضيءُ انفجار، قد لا يأبَه بأيّ سياسة أو مشروع وطني يضعه أمام ضغوطات أخرى ستصبح ثانوية أمام تأمين عيشه وتقرير مصيره الضائع على الأقل في المرحلة الأولى. بالمقابل، سيخرج أيضاً من بين هذا الجيل مَن سيحمل ذاكرة التحدّي والإصرار على الحياة برغم كل شيء.

فإنّ أسوأ مافي المشهد السياسي والحرب الآن هو ذلك العنف المُمنهَج والذي يأخذ اليومَ شكلاً مخيفاً وحيث القتال يحصل تحت مسمّياتٍ مختلفة وأهدافٍ مختلفة أيضاً! ما ستُنتِجه هذه الحرب سيكون أخطر على السوريين من الحرب نفسها إذا لم يتدارك هذا جميع الأطراف والمُتنازِعين؛ في حين يستعدّ العالم بعد عدّة عقود - ربما - للإعتراف بهذه الكارثة الإنسانية الحقيقية والتي سيدفع ثمنها آلاف الأطفال الذين سيعيشون الفقر والجوع والأمية والبطالة وسيُحدِث هذا اختلالاً في المجتمع قد يؤدّي أيضاً إلى سهولة اقتيادهم للتجنيد إن كان من التنظيمات المسلحة أو غيرها ما سيخلق مشكلة أخرى مُضاعَفة.

لقد اهتزّ العالم يوم الحرب على الڤيتنام من صورة الطفلة الڤيتنامية تهرب عارية من قصف الناپالم على منطقتها؛ بينما آلاف الصور والڤيديوهات انتشرَت لأطفال سوريا ولم تحرّك هذا العالم بل وتخاذَل المجتمع الدولي حتى بتقييم حجم الكارثة والعمل لإنقاذ ما تبقّى من السوريين تحت وابل الموت اليومي وبكلّ أشكاله، وها أكثر من مليونين لاجئ تتقاذفهم التخاذُلات والخيانات حتى البحر قد هيّأَ لهم قبوراً!

لقد فشل الحاضر لأنه لم يتعلّم من الماضي، ولأننا لم نَجن ِ من التاريخ وأساطيره سوى قصص الدم والإنتقام واللعب على المصطلحات الذكية الوطنية الكبيرة ما تسبّب في اختلاط ٍ كارثي للمفاهيم و وضع المجتمع في حالة مرَضية وشعب مُغَيَّب وقد غَيَّبَ نفسه أيضاً وغطّى عيونه بالتكاذُب والبطولات المُزيَّفة. تاريخٌ بأكمله يَشهد وتاريخٌ آخرٌ غُيِّبَ عن المشهد، التجارب لا تكذب، ومَن لم يتّعظ من التاريخ لن يجدَ أملاً في الأفُق!

ريم شطيح | سوريّون

هناك تعليقان (2):

  1. سيدتي الفاضله الاستاذه والمفكره ريم
    ان طحالب قاع البحر لايمكنها ان تنمو في النور وطحالب المستنقعات لاتحيا سوى في المياه الاسنه وتقتلها المياه النقيه
    فالانسان ابن موروثه ويعيش بتداعيات ذلك الموروث وانفعالاته
    سيدتي الشعوب التي تصنع السلاح لا تستخدمه لان افقها الفكري سما فوق هذا مما مكنها من التروي والتعقل واستهلاك الوقت في الابتكار والتطوير وبناء بلدانها وهي تحيك المؤامرات والفتن لنشتري سلاحها ونقتتل به ويبنون بلدانهم ومصانعها وابحاثها من دماء اطفال الشعوب الضحله التي تعيش على تراث سيوف اجدادها
    انظري الى بؤر الصراع في العالم فهي الدليل الواضح والصريح على كل شيء
    من افغانستان والسودان سابقا الى الصومال الى بعض الدويلات الافريقيه واغلب البلدان العربيه
    كلها بلدان موروثها ثقافة الثأر والسيف والقتل
    لا يوجد انتحاريين في العالم الا بتلك البلدان ومواطنيها من المغرر بهم
    لا يوجد نازحين ولاجئين وقصف مدنيين وامنين وقطاع طرق الا بتلك المناطق
    لا يحتكر الله احدا بالعالم ويدعي وكالته الا بتلك المناطق
    لا يفوض احدا نفسه قائما على تعاليم الله التي يفصلها على مقاسه الا بتلك المناطق
    جميع المجرمين في هذه البؤر ابطال
    وقطع الطرق فيها نضال والتاريخ تدونه المافيات بالمقلوب
    سيدتي لا امل لشعب لا يقرأ ولايتعظ ولا يسقط ما يقرؤه على تصرفاته اليوميه
    لا قيمة للثقافه ان كانت للتباهي في المجالس فقط فالثقافه عمل واسلوب حياة
    دام فكرك المتطور وقلمك النابض والى مزيد من العطاء
    ...عبدالله سليط ......

    ردحذف
  2. الأخت ريم سوريا ابتلت بمن فتحت لهم ابوابها ابتلت بمسؤولين ليسوا في مكانهم المناسب إذ اهتموا بجمع المال والهتهم الرفاهية عن مقومات سلامة الوطن . وكما يقول المثل المال السايب يعلم السرقة . كل السوريين يدفعون ثمن ما سببه الفساد من جهل واهمال في مجتمع شبابه لم يجدوا بيئة فاضلة تلتقط طموحاتهم وتتلقفها بالعناية والرحمة . اما وقد حدث ماحدث ، سيتحمل السوريون عقودا من الضياع يعلم الله متى تنتهي . لبنان القائم من الحرب الأهلية مثل واضح فليتعظ من اراد . شكرا لطرحك المهم

    ردحذف