Translate

الجمعة، 21 فبراير 2014

الشاعر العراقي ناجي إبراهيم.. وسر العلاقة بين الماء والطين !

الشاعر العراقي ناجي إبراهيم.. وسر العلاقة بين الماء والطين !




  
بغداد ـ عبدالزهرة الركابي
قلائل من الشعراء الذين يكتبون الشعر، وهم يعيشون تحت طقوس التهجد الروحي والتأمل في مدار العمق والذوبان مع الحلم (اليقيني)، محلقين بعيداً عن الحسي والمادي والكرنفالات الزائفة، هؤلاء لا يبحثون عن الأضواء والشهرة، ولم يتخذوا من الشعر حرفة أو مهنة، إنما أرادوا في مبحثهم الشعري هذا، الوصول الى علاقة تماسية (ولو من جانبهم) بين اليقين والحلم أو الخيال.

والشاعر العراقي ناجي إبراهيم الذي يُحسب على الجيل الثمانيني، يكتب الشعر العمودي والحر في آن، شاعر إنعكست عليه تداعيات الوضع العراقي من جراء الإحتلال الأميركي، حيث شد الرحال الى سوريا في أعقاب هذا الإحتلال، وأمضى سبع سنوات في عاصمة الأمويين، وخلال منفاه القسري هذا، إنزوى واعتزل في محراب الشعر متصوفاً حيناً وباحثاً حيناً آخر، في عالم مضطرب الى حد الحيرة والاستغراب والشك، إلا أن عاد الى بلدته (الفلوجة) في محافظة الأنبار (الرمادي) غربي العراق منشداً إياها:

«تعاليت أنا لا نموت وإنما

كما الطائر الفينيق إن مات قاما«.

لا يعرف الأضواء ولا الأخيرة تكشف عنه، ماعدا فعالية شعرية سُميت (مسابقة الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد) التي أعلنها (المنتدى الثقافي العراقي) في دمشق عام 2010، حيث فاز بجائزتها الأولى مناصفة مع الشاعر غزاي درع الطائي في الشعر العمودي، من خلال قصيدته التي قال فيها:

«منذ كنت من عدم، اهواك في عدمي

قبل الخليقة... قبل الماء والطين

انت أستدرت فدار الكون اجمعه

وأدبر العمر لا ألفاه يكفيني».

هذا الشاعر كان محوراً لكتاب الناقد والباحث طلال سالم الحديثي الذي أسماه «أبدأ من وجعي»، وهو نفس عنوان إحدى فصائد الشاعر التي يقول فيها:

«أبدأ من وجعي

لا شيء سوى وجعي تبدأ

منهُ الطرقاتْ

فهلْ أوصدتَ وراءكَ محرابي

حينَ بلغتَ السدرة

أم مازلتَ على بابي)

وهذا النفس الصوفي في جمله الشعرية، يعبر (مثلما أستشفه) عن توجعه الذاتي والعمومي في آن، قد لا يكشف عن خيبته في هذا (التوجع) بقدر إعلانه عن البحث عن السر أو الطلسم الذي يربط ما بين الماء والطين أو لنقل عن سر الخليقة السرمدي، في لقطة سريعة من المناجاة والعشق للخالق، قبل أن يستدرك ذلك بالشك أو أكثر، وبهذا الحال ربما يكون الشاعر ضحية تجاذب ولا أقول تصارع بين مرحلة منصرمة ومرحلة أخرى متأخرة، قد تجسد أيامه الراهنة:

(غَفَرْتُ لِلْمَاءِ ذَنْباً لا يَليقُ بِهِ

وَجِئتُ أَنْبُشُ بين الماءِ وَالطّيْنِ

مَا لي أحبّكَ فرداً لا شريكَ لهُ

وَأنتَ تُشركُ من حينٍ إلى حينِ«.

إن من يطالع قصائد الشاعر ناجي ابراهيم، يرى مفردة أو كلمة الوجع في مرار وتكرار، وكأنها السر والرمز، وعلى سبيل المثال لا الحصر (وجع أبي، وَجَعُ الضّحَى، أبدأ من وجعي، لا شيء سوى وجعي، ولي في الكرخ يا وجعي جراحٌ).

إذاً (الوجع) عند الشاعر كان موظفاً لصالح الرمز الذي يرتئيه في هذه الصورة الشعرية أو تلك، وهذا المدلول الرمزي كان موظفاً لإستخدامات عدة: ذاتية ومكانية وزمانية وإجتماعية وتأريخية وتراجيدية، ليكون بالتالي ومن خلاله، قد أفلح الشاعر في إستخدامه بل وتأويله تأويلاً مفتوحاً وقابلاً لكل التوظيفات:

«وبين جوانحي وجعٌ أبيٌّ

إذا مالت به الدنيا أبيتُ

فلي فيّ كلّ مقفرةٍ حسينٌ

ولي في كلّ مفخرةٍ عليُّ

ولي في كلّ زاويةٍ وليٌّ

ولي في كلّ منعطفٍ نبيُّ».

شعر ناجي إبراهيم مترع بالحزن الذي يتوزع بين الرثاء واستذكار الأصدقاء الراحلين في أكثر من قصيدة، وهذا الميل قد يعبر عن الحزن الذاتي أيضاً مثلما يعبر عن صور من المواساة التي يكتبها أزاء نفسه أولاً قبل أن يعممها على زمن افتقده أو صديق راحل أو مكان أختفى من الجغرافية المكانية وحل محله بناء آخر، أي أنه في قصائده الرثائية هذه، يحاول أن يرثي زمناً ماضياً، ربما يكون هذا الزمن الماضي هو زمنه المترف، وزمن بهائه أو ربما هو يعبر عن الحنين والتوق الى الماضي، ففي رثائه للشاعر يوسف الصائغ يقول:

«كان يجر قطيع الحزن وراه

ويسوق الليل مواويل رؤاه

وأسى يتخطى.. يتمطى حيث تراه

لم يحتمل المنفى فتولى وتدلى يوسف قبل خطاه

كان الجب فسيحا إلا عنه وبعض خطاياه».

و على نفس المنوال نرى شعره ضاجاً بالصراخ والبكاء المتعالي، وكأن هذا البكاء متأت من وجع الشاعر الذاتي الذي يريد من خلاله رثاء صديقه (علاء):

«نَاْدَيْتُ خَلْفَكَ وَاْعَلاءُ فَهَدّنِيْ

أَنّ الصّدَى يَذْوِيْ بِغَيْرِ عَلاءِ

فَأَشَرْتُ نَحْوِيَ أَسْتَفِزُّ قَرَاْئِحِيْ

فَتَشَاهَقَتْ عَبَرَاْتُهَاْ وَبُكَاْئِيْ».

الشاعر ناجي إبراهيم ومن خلال طقوسه الشعرية هذه، أراد البحث عن عالم يختلط فيه اليقين مع الحلم والخيال، وقد تجلت هذه المسحة الصوفية في أكثر قصائدة وعلى مختلف تنوعها ومشاربها، وبالتالي انطلق هذا الشاعر (على الرغم من عكاز الوجع)، باحثاً وموغلاً، من دون أن يعلن عن شفائه من وجعه المستديم، أو ربما عزف عن ذلك، لأسباب تتعلق بسر وجعه هذا.. بيد أن الذي يشغل قراء شعره، هو أن الشاعر لم يخف وجعه في كل المناسبات حتى عندما كان متعافياً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق